سورة الحجر - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)}
اعلم أن إبليس لما قال: {لأزَيّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} أوهم هذا الكلام أن له سلطاناً على عباد الله الذين يكونون من المخلصين، فبين تعالى في هذه الآية أنه ليس له سلطان على أحد من عبيد الله سواء كانوا مخلصين أو لم يكونوا مخلصين، بل من اتبع منهم إبليس باختياره صار متبعاً له، ولكن حصول تلك المتابعة أيضاً ليس لأجل أن إبليس يقهره على تلك المتابعة أو يجبره عليها والحاصل في هذا القول: أن إبليس أوهم أن له على بعض عباد الله سلطاناً، فبين تعالى كذبه فيه، وذكر أنه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلاً، ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي} [إبراهيم: 22] وقال تعالى في آية أخرى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين ءامَنُواْ وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99، 100] قال الجبائي: هذه الآية تدل على بطلان قول من زعم أن الشيطان والجن يمكنهم صرع الناس وإزالة عقولهم كما يقوله العامة، وربما نسبوا ذلك إلى السحرة قال وذلك خلاف ما نص الله تعالى عليه، وفي الآية قول آخر، وهو أن إبليس لما قال: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [الحجر: 40] فذكر أنه لا يقدر على إغواء المخلصين صدقه الله في هذا الاستثناء فقال: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} فلهذا قال الكلبي: العباد المذكورون في هذه الآية هم الذين استثناهم إبليس.
واعلم أن على القول الأول يمكن أن يكون قوله: {إِلاَّ مَنِ اتبعك} استثناء، لأن المعنى: أن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين فإن لك عليهم سلطاناً بسبب كونهم منقادين لك في الأمر والنهي.
وأما على القول الثاني فيمتنع أن يكون استثناء، بل تكون لفظة (إلا) بمعنى لكن، وقوله: {إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} قال ابن عباس: يريد إبليس وأشياعه، ومن اتبعه من الغاوين.
ثم قال تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} وفيه قولان:
القول الأول: إنها سبع طبقات: بعضها فوق البعض وتسمى تلك الطبقات بالدركات، ويدل على كونها كذلك قوله تعالى: {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} [النساء: 145].
والقول الثاني: إن قرار جهنم مقسوم سبعة أقسام: ولكل قسم باب، وعن ابن جريج: أولها: جهنم. ثم لظى. ثم الحطمة. ثم السعير. ثم سقر. ثم الجحيم. ثم الهاوية.
قال الضحاك: الطبقة الأولى: فيها أهل التوحيد يعذبون على قدر أعمالهم ثم يخرجون.
والثانية: لليهود.
والثالثة: للنصارى.
والرابعة: للصابئين.
والخامسة: للمجوس.
والسادسة: للمشركين.
والسابعة: للمنافقين. وقوله: {لِكُلّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} والباقون (جز) بتخفيف الزاي.
وقرأ الزهري: (جز) بالتشديد، كأنه حذف الهمزة وألقى حركتها على الزاي، كقولك: خب في خبء، ثم وقف عليه بالتشديد.
المسألة الثانية: الجزء بعض الشيء، والجمع الأجزاء، وجزأته جعلته أجزاء. والمعنى: أنه تعالى يجزي أتباع إبليس إجزاء، بمعنى أنه يجعلهم أقساماً وفرقاً، ويدخل في كل قسم من أقسام جهنم طائفة من هؤلاء الطوائف.
والسبب فيه أن مراتب الكفر مختلفة بالغلظ والخفة، فلا جرم صارت مراتب العذاب والعقاب مختلفة بالغلظ والخفة، والله أعلم.


{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)}
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل العقاب أتبعه بصفة أهل الثواب، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: في قوله: {إِنَّ المتقين} قولان:
القول الأول: قال الجبائي وجمهور المعتزلة: القائلون بالوعيد المراد بالمتقين هم الذين اتقوا جميع المعاصي.
قالوا: لأنه اسم مدح فلا يتناول إلا من يكون كذلك.
والقول الثاني: وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، وهو المنقول عن ابن عباس أن المراد الذين اتقوا الشرك بالله تعالى والكفر به.
وأقول: هذا القول هو الحق الصحيح، والذي يدل عليه هو أن المتقى هو الآتي بالتقوى مرة واحدة، كما أن الضارب هو الآتي بالضرب مرة واحدة، والقاتل هو الآتي بالقتل مرة واحدة، فكما أنه ليس من شرط الوصف كونه ضارباً وقاتلاً كونه آتياً بجميع أنواع الضرب والقتل، فكذلك ليس من شرط صدق الوصف بكونه متقياً كونه آتياً بجميع أنواع التقوى، والذي يقوي هذا الكلام أن الآتي بفرد واحد من أفراد التقوى يكون آتياً بالتقوى، لأن كل فرد من أفراد الماهية فإنه يجب كونه مشتملاً على تلك الماهية، فالآتي بالتقوى يجب أن يكون متقياً، فثبت أن الآتي بفرد واحد من أفراد التقوى يصدق عليه كونه متقياً، ولهذا التحقيق اتفق المفسرون على أن ظاهر الأمر لا يفيد التكرار.
إذا ثبت هذا فنقول: ظاهر قوله: {إِنَّ المتقين فِي جنات وَعُيُونٍ} يقتضي حصول الجنات والعيون لكل من اتقى عن شيء واحد، إلا أن الأمة مجمعة على أن التقوى عن الكفر شرط في حصول هذا الحكم، وأيضاً فإن هذه الآية وردت عقيب قول إبليس: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [الحجر: 40] وعقيب قول الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} [الحجر: 42] فلأجل هذه الدلائل اعتبرنا الإيمان في هذا الحكم فوجب أن لا يزيد فيه قيد آخر، لأن تخصيص العام لما كان بخلاف الظاهر فكلما كان التخصيص أقل كان أوفق لمقتضى الأصل والظاهر، فثبت أن قوله: {إِنَّ المتقين فِي جنات وَعُيُونٍ} يتناول جميع القائلين بلا إله إلا الله محمد رسول الله قولاً واعتقاداً سواء كانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصية وهذا تقرير بين، وكلام ظاهر.
المسألة الثانية: قوله تعالى: {فِى جنات وَعُيُونٍ} أما الجنات فأربعة لقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ثم قال: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فيكون المجموع أربعة وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} يؤكد ما قلناه، لأن من آمن بالله لا ينفك قلبه عن الخوف من الله تعالى وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ} يكفي في صدقه حصول هذا الخوف مرة واحدة، وأما العيون فيحتمل أن يكون المراد منها ما ذكر الله تعالى في قوله: {مَّثَلُ الجنة التى وُعِدَ المتقون فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وأنهار مّنْ خمرٍ لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} [محمد: 15] ويحتمل أن يكون المراد من هذه العيون ينابيع مغايرة لتلك الأنهار.
فإن قيل: أتقولون إن كل واحد من المتقين يختص بعيون، أو تجري تلك العيون من بعض إلى بعض قيل: لا يمتنع كل واحد من الوجهين فيجوز أن يختص كل أحد بعين وينتفع به كل من في خدمته من الحور والولدان، ويكون ذلك على قدر حاجتهم وعلى حسب شهواتهم، ويحتمل أن يكون يجري من بعضهم إلى بعض لأنهم مطهرون عن الحقد والحسد وقوله: {ادخلوها بِسَلامٍ ءامِنِينَ} يحتمل أن القائل لقوله: {ادخلوها} هو الله تعالى وأن يكون ذلك القائل بعض ملائكته، وفيه سؤال لأنه تعالى حكم قبل هذه الآية بأنهم في جنات وعيون، وإذا كانوا فيها فكيف يمكن أن يقال لهم: {ادخلوها}.
والجواب عنه من وجهين:
الأول: لعل المراد به قيل لهم قبل دخولهم فيها: {ادخلوها بِسَلامٍ}.
الثاني: لعل المراد لما ملكوا جنات كثيرة فكلما أرادوا أن ينتقلوا من جنة إلى أخرى قيل لهم ادخلوها وقوله: {ادخلوها بِسَلامٍ ءَامِنِينَ} المراد ادخلوا الجنة مع السلامة من كل الآفات في الحال ومع القطع ببقاء هذه السلامة، والأمن من زوالها.
ثم قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلٍّ} والغل الحقد الكامن في القلب وهو مأخوذ من قولهم: أغل في جوفه وتغلغل، أي إن كان لأحدهم في الدنيا غل على آخر نزع الله ذلك من قلوبهم وطيب نفوسهم، وعن علي عليه السلام أنه قال: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم، وحكى عن الحرث بن الأعور أنه كان جالساً عند علي عليه السلام إذ دخل زكريا بن طلحة فقال له علي: مرحباً بك يا ابن أخي، أما والله إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله تعالى في حقهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلٍّ} فقال الحرث: كلا بل الله أعدل من أن يجعلك وطلحة في مكان واحد.
قال عليه السلام: «فلمن هذه الآية؟ لا أم لك يا أعور»، وروي أن المؤمنين يحبسون على باب الجنة فيقتص لبعضهم من بعض، ثم يؤمر بهم إلى الجنة.
وقد نقى الله قلوبهم من الغل والغش، والحقد والحسد، وقوله: {إِخْوَانًا} نصب على الحال وليس المراد الأخوة في النسب بل المراد الأخوة في المودة والمخالصة كما قال: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] وقوله: {على سُرُرٍ متقابلين} السرير معروف والجمع أسرة وسرر قال أبو عبيدة يقال: سرر وسرر بفتح الراء وكذا كل فعيل من المضاعف فإن جمعه فعل وفعل نحو: سرر وسرر، وجدد وجدد قال المفضل: بعض تميم وكلب يفتحون، لأنهم يستثقلون ضمتين متواليتين في حرفين من جنس واحد، وقال بعض أهل المعاني: السرير مجلس رفيع مهيأ للسرور وهو مأخوذ منه لأنه مجلس سرور.
قال الليث: وسرير العيش مستقره الذي اطمأن إليه في حال سروره وفرحه قال ابن عباس: يريد على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت، والسرير مثل ما بين صنعاء إلى الجابية، وقوله: {متقابلين} التقابل التواجه، وهو نقيض التدابر، ولا شك أن المواجهة أشرف الأحوال وقوله: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} النصب الإعياء والتعب أي لا ينالهم فيها تعب: {وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} والمراد به كونه خلوداً بلا زوال وبقاء بلا فناء، وكمالاً بلا نقصان، وفوزاً بلا حرمان.
واعلم أن للثواب أربع شرائط: وهي أن تكون منافع مقرونة بالتعظيم خالصة عن الشوائب دائمة.
أما القيد الأول: وهو كونها منفعة فإليه الإشارة بقوله: {إِنَّ المتقين فِي جنات وَعُيُونٍ}.
وأما القيد الثاني: وهو كونها مقرونة بالتعظيم فإليه الإشارة بقوله: {ادخلوها بِسَلامٍ ءَامِنِينَ} لأن الله سبحانه إذا قال لعبيده هذا الكلام أشعر ذلك بنهاية التعظيم وغاية الإجلال.
وأما القيد الثالث: وهو كون تلك المنافع خالصة عن شوائب الضرر، فاعلم أن المضار إما أن تكون روحانية، وإما أن تكون جسمانية، أما المضار الروحانية فهي الحقد، والحسد، والغل، والغضب، وأما المضار الجسمانية فكالإعياء والتعب فقوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين} إشارة إلى نفي المضار الروحانية وقوله: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} إشارة إلى نفي المضار الجسمانية.
وأما القيد الرابع: وهو كون تلك المنافع دائمة آمنة من الزوال فإليه الإشارة بقوله: {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} فهذا ترتيب حسن معقول بناء على القيود الأربعة المعتبرة في ماهية الثواب ولحكماء الإسلام في هذه الآية مقال، فإنهم قالوا: المراد من قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلٍّ} إشارة إلى أن الأرواح القدسية النطقية نقية مطهرة عن علائق القوى الشهوانية والغضبية، مبرأة عن حوادث الوهم والخيال، وقوله: {إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين} معناه أن تلك النفوس لما صارت صافية عن كدورات عالم الأجسام ونوازع الخيال والأوهام، ووقع عليها أنوار عالم الكبرياء والجلال فأشرقت بتلك الأنوار الإلهية، وتلألأت بتلك الأضواء الصمدية، فكل نور فاض على واحد منها انعكس منه على الآخر مثل المزايا المتقابلة المتحاذية، فلكونها بهذه الصفة وقع التعبير عنها بقوله: {إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين}، والله أعلم.


{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}
في الآية مسألتان:
المسألة الأولى: أثبتت الهمزة الساكنة في (نبئ) صورة، وما أثبتت في قوله: {دِفْء} {وجزء} لأن ما قبلها ساكن فهي تحذف كثيراً وتلقى حركتها على الساكن قبلها، ف (نبئ) في الخط على تحقيق الهمزة، وليس قبل همزة (نبئ) ساكن فاجرؤها على قياس الأصل:
المسألة الثانية: اعلم أن عباد الله قسمان: منهم من يكون متقياً، ومنهم من لا يكون كذلك، فلما ذكر الله تعالى أحوال المتقين في الآية المتقدمة، ذكر أحوال غير المتقين في هذه الآية فقال: {نَبّئ عِبَادِى}.
واعلم أنه ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم، فهاهنا وصفهم بكونهم عباداً له، ثم أثبت عقيب ذكر هذا الوصف الحكم بكونه غفوراً رحيماً، فهذا يدل على أن كل من اعترف بالعبودية ظهر في حقه كونه الله غفوراً رحيماً ومن أنكر ذلك كان مستوجباً للعقاب الأليم. وفي الآية لطائف: أحدها: أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله: {عِبَادِي} وهذا تشريف عظيم. ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لم يزد على قوله: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1].
وثانيها: أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة: أولها: قوله: {أَنّى}.
وثانيها: قوله: {أَنَاْ}.
وثالثها: ادخال حرف الألف واللام على قوله: {الغفور الرحيم} ولما ذكر العذاب لم يقل أني أنا المعذب وما وصف نفسه بذلك بل قال: {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم}.
وثالثها: أنه أمر رسوله أن يبلغ إليهم هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة.
ورابعها: أنه لما قال: {نَبّئ عِبَادِي} كان معناه نبئ كل من كان معترفاً بعبوديتي، وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع، فكذلك يدخل فيه المؤمن العاصي، وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله تعالى.
وعن قتادة قال: بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو يعلم العبد قدر عفو الله تعالى ما تورع من حرام، ولو علم قدر عقابه لبخع نفسه». أي قتلها.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بنفر من أصحابه، وهم يضحكون فقال: «أتضحكون والنار بين أيديكم» فنزل قوله: {نَبّئ عِبَادِى أَنّى أَنَا الغفور الرحيم}، والله أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8